![]() |
إدمان المخدرات والإباحية والسوشال ميديا |
كتب: علاء النورج ومحمد عبد الله أبو شنب
كثيرًا ما يطرق على ألسنتنا لفظ
"الإدمان"، دون النظر إلى أن هذا الطريق من الممكن أن تعاني منه أنت على
ألسنة الآخرين، أولئك الذين يسيرون على نهج واحد ألا وهو: "إنه مدمن" أو
"إنها مدمنة"، دون أن يخطر على أذهانهم مفهوم الإدمان الصحيح الذي نستطيع
من خلاله أن نحكم على هذا أو هذه بالإدمان أو بعدمه، والإدمان بشكلٍ عامٍ هو "الإفراط والاستمرار في استخدام أو
مزاولة شيء ما حتى يصبح عادة في الحياة اليومية الروتينية، ويدخل بدوره مع بقية
الأعمال والأنشطة"، هذا هو المفهوم الأدق للإدمان إلا أن الكثير منا يربط
دائمًا الإدمان بالمسكرات والمواد المخدرة فقط، مهملين النظر إلى أن هناك أنواع
أخرى للإدمان منها: إدمان السوشيال ميديا، وإدمان الإباحية، ويعد هذان النوعان
إضافة إلى إدمان المخدرات، من أبرز أنواع الإدمان وأكثرها شيوعًا في
العصر الراهن التي تهدد مستقبل الجيل الحالي، خاصة ممن هم في مرحلة المراهقة.
ولذلك حاورنا نماذج متعافية، عانت تحت ظل
الإدمان، حتى تمثل واعظًا لإخوتنا الصغار للابتعاد عنه، بالإضافة إلى تواصلنا مع خبراء
النفس والتربية للوقوف على أهم العوامل المسببة للإدمان بأنواعه الثلاث السابق
ذكرها، والتعرف على دور الأسرة في الحد من انتشاره.
مراهق: مشاهدتي للإباحية كانت فضولًا.. وهذه أسباب إقلاعي عنها
يحكي عبد الرحمن عصام، ١٨ عامًا،
وطالب بالفرقة الأولى بكلية الطب، أن بداية إدمانه للإباحية المصورة كانت في سن
صغيرة، فقد كان عمره عند مشاهدة أول فيديو إباحي لا يتجاور الـ١٤ عامًا، موضحًا أن
مشاهدته لها في البداية كانت فضولًا لا أكثر، فكثرة سماعه عنها وكثرة أصدقائه
المقبلين على الإباحية شجعته على مشاهدتها، ومن ثم تحول هذا الفضول إلى شهوة، ومع
الوقت تكررت مشاهدته للإباحية حتى وصلت إلى حد الإدمان.
ويضيف عبد الرحمن أن العزلة هي
السبب الرئيسي لإدمانه الإباحية، فانشغال الأب والأم بعملهما، وأخيه الأكبر
بجامعته لم يترك له المجال ليحكي لهم ما يفعله، فقد كان معزولاً تمامًا عن أفراد
أسرته، مما ساعده على الاختلاء بنفسه في أوقات كثيرة ليشاهد تلك المقاطع الضارة.
وفيما يتعلق بالأضرار المصاحبة
لإدمان الإباحية، يقول عبد الرحمن أن جسده كان غير قادر على القيام بمهام الحياة الطبيعية
كما كان في السابق، فعند مشاهدة الإباحية يصل جسده إلى مرحلة النشوة الجنسية فيضطر
إلى ممارسة العادة السرية حتى يرتخي جسمه، مضيفًا أن تكرار هذا الفعل المصاحب للمشاهدة،
يجعل الإنسان في حالة من عدم التركيز في أمور حياته سواء كان في عمله أو دراسته أو
أي شيء يقوم به.
أما عن إقلاعه عن الإباحية، أوضح
عبد الرحمن أن تدني مستواه الدراسي، وشعوره بالبعد عن الله؛ كانا أهم الأسباب التي
دفعته للإقلاع عنها، مبرزًا أهم السبل التي اتبعها للإقلاع عنها، وهي شغل وقت
فراغه وعدم التفكير نهائيًا فيها، وكذلك الابتعاد عن الشاشات الإلكترونية
كالموبايل واللابتوب والكمبيوتر بقدر المستطاع، لأن ذلك يقلل من تعرضه للإباحية، مضيفًا
أن النية والإرادة من أهم العوامل التي تسلح بها للقضاء على إدمانه.
أفقدني الكثير من وزني.. شاب يحكي معاناته مع الحشيش
ويضيف فؤاد أنه تخلى عن الحشيش عندما أيقن أن النشوة التي يصل إليها اختفت، كما أن الحشيش يتطلب الكثير من المال، ومن ثم تحول إلى ممارسة الرياضة لأنها تطرد الشحنات السالبة من الجسم التي يسببها الإدمان، وبالتالي تساعد على التخلي عنه تدريجيًا، وكلما يتطور الجسم في ممارسة الرياضة كلما يكون قادرًا على مقاومة المخدرات.
ما بعد التعافي.. مراهق يحكي تفاصيل إدمانه للسوشيال ميديا
يقول عمار محمد، ١٨ عامًا، إن حياته
قبل استخدام مواقع السوشيال ميديا كانت معتمدة على وسائل التسلية التقليدية
المعروفة كالتلفاز، والراديو، والجلوس مع أفراد الأسرة والأصدقاء لقضاء وقت ممتع، إلا
أن مع استخدامه لها في سن الـ١٣، تخلى تدريجيًا عن الوسائل السابقة، وأصبح يقضى
وقته الأكبر على المواقع حتى وصل إلى حد الإدمان المفرط.
ويوضح عمار أن حياته قبل مواقع التواصل الاجتماعي كانت طبيعية مليئة بالتقارب الاجتماعي بينه وبين أفراد أسرته وأقاربه وأصدقائه، لكن بعد إدمانه لها، أصيح يقضى قرابة الـ١٥ ساعة يوميًا على هذه المواقع دون أن يشعر بهذا الكم المهدر من الوقت، مضيفًا أن تواصله الاجتماعي مع من حوله انعدم تمامًا، حتى في الأعياد والمناسبات كان لا يخرج ولا يزور أقاربه، فالتواصل بينهم -إن حدث- كان من خلال هذه المواقع فقط.
طبيب نفسي: أكثر حالات الإدمان في مرحلة مراهقة.. وهذه هي الأسباب
أوضح الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن الإدمان
كالمثلث له ثلاثة أضلاع: نفسي، عضوي، اجتماعي، وغالبًا ما تكون الأسرة هي الكيان
المنظم لحياة المراهق النفسية، فعندما يتأثر سلبًا الجانب الأسري والصحي والاجتماعي
والاقتصادي، نستطيع القول بأن الشخص أصبح مدمنًا بغض النظر عن الجرعة المتعاطاة،
مؤكدًا أن الخلاف المستمر والضغوط في المنزل والعمل أو الدراسة يجعل الإنسان يبحث
عن المتعة والراحة خارج المنزل، وأحيانا كثيرة يكون الإدمان هو الحل للتخلص منها.
وأضاف أستاذ الطب النفسي أن نوع الإدمان يرتبط بشخصية المدمن، سواء
كان يحب الفانتازيا، الراحة، "الفرفشة"، النشاط المستمر، الخيال، أو ممن
يفضلون الشعور بتملك كل شيء حولهم؛ كل حسب تفضيلاته الشخصية؛ فمثلًا من يختار
"الحشيش" يكون في البداية منشطًا، ثم يصير مهدئا، ومن يختار "الكوكايين"
يفضل العيش في الخيال والشعور بالعبقرية وإمكانية فعل أكثر من شيء في وقت واحد،
وأما من يتجه لـ "الهيروين" فشخصيته تميل للسعادة والبعد عن الواقع.
وتابع: "يسعى المدمن في البداية للاتجاه نحو المخدر، أيًا كان نوعه الذي يشعره بإشباع مؤقت لرغباته، ثم تتلاشى لذة البدايات تدريجيًا؛ فيلجأ لزيادة الجرعة حتى يجد نفسه في بحر عميق مظلم ممتلئ بالمخاطر يصعب الخروج منه".
وأوصى "بحري" الأسر بالتعامل بلطف مع الأبناء التي تواجههم صعوبات في التحصيل الدراسي، وعدم استخدام أساليب عقاب تؤثر سلبًا على نفسية أبنائهم، والبحث عن الأسباب ومشاركة الأبناء في محاولة إيجاد مخرج مناسب ليكون الحل الأمثل في مثل هذه الحالات، مشددًا على أن التعامل بجفاء مع الأبناء وعدم الاستماع لهم قد يعرضهم لضغوط نفسية عديدة ولا يجدون إلا طريق الإدمان لتفريغ طاقاتهم، وهنا ستظهر مشكلة أخرى وهي الكتمان وخوف المدمن من مصارحة أسرته خوفًا من رد الفعل والتوبيخ الذي قد يتعرض له.
وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن الإدمان ينقسم إلى نوعين: سلوكي وإدمان مخدرات، موضحًا أن أكثر حالات الإدمان تكون في مرحلة المراهقة؛ نظرا للطفرات والمتغيرات العديدة التي تحدث في عقل وشخصية المراهق وما يؤثر على صحته النفسية، فنجد أن 60% من مدمني الكحول من الشباب في سن المراهقة. فالجانب العاطفي مثلًا وما يعرضه لصدمات عاطفية قد ترمي به في نفق إدمان الحشيش أو الكحول فهما أكثر وأخطر أنواع الإدمان الذي يلجأ له من في هذه الحالة.
وأنهى بحري حديثه، مناشدًا بضرورة تكاتف جميع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالدولة بدءًا من وزارة الأوقاف والأزهر والكنيسة والتضامن الاجتماعي ووصولًا إلى وزارة الصحة، لوضع منهج علمي للوقاية من الإدمان بكل أشكاله.
.. وخبيرة علاقات أسرية: مدمر للصحة النفسية والجسدية.. والحل يكمن في الأسرة
ومن ناحية أخرى قالت الدكتورة ندى الجميعي، خبير العلاقات الأسرية: "مرحلة المراهقة تبدأ بالقلق المستمر والخوف من المستقبل ومع الاختلافات البيولوجية
والتطور الجسدي الملحوظ يقف المراهق حائرًا بين طفولته وشبابه وهنا لابد أن نقف
انتباهًا حتى نوجه المراهق إلى الطريق الصحيح، موضحة أن بعضهم يسعى إلى التجربة حتى
يثبت رجولته، و آخرون يسلكون طريق الممنوع بالرغم من معرفة المعظم بأضرار الإدمان
إلا أن المراهق يهوى الممنوع ويرغبه ويدخل في تحدٍ مع أصدقائه أنه يجرب ولا يتعود
ويستطيع أن يتخلى عنها في أي وقت، وهنا تكمن المصيبة الحقيقية، بالإضافة إلى
الصحبة السيئة التي تسعى للحرية الغير مقننة".
وتابعت "الجميعي": "إن الإدمان واحد؛ ولكن تتعدد صوره وأشكاله
من إدمان المخدرات، والمواقع الإباحية والسوشيال ميديا، فكلها مدمرات للصحة
النفسية والجسدية وضياع للوقت والمجهود، كما أن الجانب العاطفي وما ينتج عنه من
صدمات عاطفية ربما تكون جزءًا من إدمان المخدرات أو المواقع الإباحية".
واستكملت أن الحل هنا يكمن في صداقة الأسرة واحتوائها لأبنائهم
والارتياح النفسي بينهم، والدخول في دائرتهم، فذلك يجعل الأهل يتحكمون بهم بشكل
غير مباشر وبرضاهم، موضحة أن ذلك يحدث بالذكاء الأسري الذي يجعل كلا الأبوين أو
أحدهما يتخلل عاطفيًا وعقليًا إلى ابنه وابنته، ويبدأ بالثقة وعدم التحكم وترك
مساحة بسيطة مع التدخل في الوقت المناسب بالنصيحة وعدم الإجبار.
وعن مهام الأسرة في التوعية بالثقافة الجنسية تتحدث خبيرة العلاقات
الأسرية، أن الفطرة تحرك المراهق إلى البحث عن أسرار الجنس الآخر متسائلًا عن بعض
التفاصيل، وهنا يجب على الأهل أن يجيبوا عن تساؤلاته دون جرح حيائه، والحديث بشكل
علمي لا غرائزي مع التقنين أن هذا يحدث بعد الزواج تحت غطاء ديني واجتماعي، وأن
الزنا من الكبائر والنظر إلى المحرمات ذنب لابد من الابتعاد عنه.
وتنصح "الجميعي" المراهقين بأن البحث عن الذات أفضل من
البحث عن الخطأ، واستغلال كل دقيقة في بناء النفس وتحقيق الذات أفضل استثمار ويجني
ثماره مستقبلًا، فالإدمان أول طرق الجريمة، وإن تابعت أخبار العلماء والمشاهير سترى
أن المعظم بدايته كانت قاسية وفقيرة، وكافح وتحمل حتى أصبح فخرًا لأهله ولبلده.
وأنهت حديثها قائلة: "عليك أن تختار إما الهروب
من الواقع والعيش في عالم افتراضي حتى تضيع، أو أن تكون شخصًا مرموقًا وتسعى وتجتهد
حتى تنجح وتصعد إلى القمة وتحقق هدفك وتصبح قدوة لمن حولك".
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك