أم كلثوم vs نجوم المهرجانات
أساتذة الموسيقى: نمط الحياة هو السبب في انتشارها.. والحل تنمية التذوق الموسيقي
نقاد الفن: ليست كلها منافية للأخلاق.. ولكنها فقيرة فنيًا
تباين الآراء حول غناء كلمات أم كلثوم بأسلوب المهرجانات
المراهقون: كلمات المهرجانات من واقع حياتنا.. ولا نفهم أم كلثوم
كتب: هاجر عاطف الشحات، وعلاء النورج
"لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع".. عبارة نسمعها ونرددها يوميًا تحمل في طياتها حقيقة مسلم بها في كلمات موجزة، ففي كل يوم نقوم بالعديد من الاختيارات، والفن ليس بمعزل عنها، فالموسيقى والغناء جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري منذ عقود، وفي السنوات الأخيرة ظهر لون جديد من الغناء أطلق عليه مصطلح "المهرجانات"، والذي نجح في جذب عدد كبير من الجمهور المصري وخاصة صغار السن رغم ما أثاره من جدل، في مقابل لون قديم متأصل في عقول وقلوب الكبار ولكن لم يلقَ نفس الاستحسان لدى المراهقين.
أساتذة الموسيقى يوضحون
تقول المطربة ومدربة الأصوات سماح إسماعيل، عضو هيئة التدريس بقسم الموسيقى العربية بكلية التربية الموسيقية، أن طبيعة أغاني المهرجانات لا توجد فيها آلات موسيقية حية كما في ألوان أخرى من الموسيقى، بل تعتمد بشكل أساسي على الإيقاعات السريعة المسجلة إلكترونيًا، وغياب الجملة الغنائية ليحل محلها الجملة الإيقاعية ذات التفعيلات السهلة والمساحات الصوتية الضيقة غير الطبيعية، فيستطيع أي شخص أن يؤديها دون مجهود ولذلك نجدها مفتقرة للحس الفني.
![]() |
د. سماح إسماعيل |
وتضيف أن سبب حب المراهقين لها هو انجذابهم لأي شيء صاخب يفرغون من خلاله طاقاتهم نتيجة الإحباطات، ولأن طبيعتها سهلة لا يحتاج الشخص أن يجهد عقله في تأمل معانيها أو كلماتها لأن عقله بالفعل مجهد من نمط الحياة الصاخب، وأحيانا ينجذب إليها المراهق مجاراة للموضة و"التريند"، وهو أكثر سبب شائع خصوصًا مع تسليط أضواء الـ"سوشيل ميديا" عليها وقضاء المراهق أكثر وقته عليها، فيحدث انجذاب إليها، فينتابه الفضول للاستماع ومن ثم لا يستطيع التفرقة بين الجيد والسيء نتيجة هذا الانتشار الهائل.
وترى أستاذة الموسيقى أن أزمة المهرجانات حدثت عندما أعرب الكبار عن رفضهم لهذا اللون واعتباره لا يمت للفن بصلة، وذلك نتيجة للتخوف من تأثيره السلبي الكبير على صغار السن، وعندما تم تسليط الضوء عليها من قبل الـ"سوشال ميديا" بدأ الحديث عن المشكلات المرتبطة بها من قبل الإعلام، فأصبح الخطر واضحًا بسبب اكتشاف الكبار أن هذا المستوى الفني الرديء هو السائد لدى الشباب والمراهقين وهو الذي استطاع جذب انتباههم رغم ما يتصل به من عيوب خطيرة كالكلمات المبتذلة التي لا ترتقي إلى الدخول للبيوت والألحان والأصوات الفقيرة.
ولتفادي المشكلات التي يعارض الكبار المهرجانات بسببها، يرى الدكتور يونس بدر، أستاذ الموسيقى بجامعة حلوان، أن هذا يتحقق إذا استطاع القائمون على صناعة هذه الأغاني اختيار كلمات مناسبة وألحان أكثر ملائمة، والأهم اختيار المطرب الذي يستطيع أن يؤديها ببراعة حيث يمتلك الموهبة والصوت القابل للاستماع، ومتى تحقق ذلك فلا مانع من أن نسمع أصوات عريقة تؤديها مثل علي الحجار أو مدحت صالح، مؤكدًا أننا بحاجة ماسة لهذا التغيير لأن المهرجانات حاصرت أولادنا في كل زمان ومكان، فالمراهق يستمع إليها في الشوارع والمواصلات وقنوات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، والأهم من ذلك تسليط الإعلام الضوء عليها والترويج لها في أحيان كثيرة.
د. يونس بدر
ويضيف بدر أن أغلب المراهقين لا يحبون أم كلثوم وألوان الغناء التي يحبها الكبار لأنهم لم يصلوا لمرحلة النضوج الكافية للاستماع لهذا اللون، لأنهم يحتاجون إلى عقلية ناضجة تستطيع أن تفهم المعاني والموسيقى، والأكثر أهمية من ذلك أن المراهق لا يمتلك الوقت الكافي للاستماع إلى أغنية مدتها عشر دقائق ناهيك عن أغنيات أم كلثوم التي تتجاوز الساعة وأحيانًا أكثر، فطبيعة حياته سريعة وصاخبة وبالتالي وجد أن هذه الأغاني لا تعبر عنها على عكس موسيقى المهرجانات.
وفيما يتعلق بتفضيل المراهقين للمهرجانات على حساب أغاني الزمن الجميل، يرى أستاذ الموسيقى أن السبب في ذلك غياب تكوين الثقافة الفنية لدى المراهقين في المدارس قائلًا: "إذا أردنا الارتقاء بالذوق الموسيقي لدى أبنائنا فيجب على المدارس تفعيل حصة التربية الموسيقية، وتعريف التلاميذ على أعلام الموسيقى المصرية كأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب، وأن نعرض عليهم نماذج للاستماع، ونعرفهم على المكتبات الموسيقية التي تحمل الإرث الموسيقي المصري والتي تضاهي في قيمتها وضخامتها مكتبات الكتب، وهنا يأتي دور الدولة والهيئات ووسائل الإعلام".
.. ونقاد الفن يحللون
وتوضح الناقدة الفنية حنان شومان أن أغاني المهرجانات ظهرت في المناطق العشوائية في الإسكندرية، ولكنها لم تنشأ من واقع الفن، وإنما من منطلق الأفراح الشعبية من خلال استخدام "الدي جي" في تركيب الأصوات على أصوات أخرى، ومن ثم وجد الشباب في ذلك فرصة للعمل؛ فشرعوا في تأليف هذه الأغاني التي تحمل كلمات تعبر عن المناطق التي يعيشون فيها، مضيفة أن الفن بدأ من الطبقات الوسطى وكان ينتقل للفئة الأعلى والأقل، إلا أنه في الوقت الحالي انتقلت المهرجانات من الطبقة الشعبية إلى الأعلى؛ فنجد أن معظم أفراح الطبقات العليا تعتمد على أغاني المهرجانات.
![]() |
الناقدة حنان شومان |
وترى الناقدة الفنية أن هذه الظاهرة ليست الأولى من نوعها، فكل عصر يظهر فيه حركة غنائية جديدة مختلفة عن الطابع الفني السائد، إلا أن الاختلاف هنا يكمن في وسيلة الانتقال الفني، فكان في السابق يذهب المطرب إلى الإذاعة ليدخل في امتحان أداء، وتقيمه مجموعة من الملحنين والمطربين الكبار، ولكن حاليًا من يريد أن يغني يغني دون أن يخضع لأية اختبارات تقيم صوته وأداءه.
ويرى الناقد الفني عصام زكريا أن النقطة السلبية في هذه النوعية من الأغاني ليست في أنها تنقل الواقع الاجتماعي المعاصر، أو أنها تعلم المراهقين سلوكيات سلبية كالبلطجة والأفعال المنافية للأخلاق، وإنما هو المستوى الرديء الذي تقدم فيه، فليست هناك مشكلة في التعبير عن الواقع الاجتماعي من خلال هذه الأغاني، ولكن من الممكن التعبير عنها بذوق فني عالِ يرتفع بالذوق العام للجمهور الذي يقبل عليها.
الناقد عصام زكريا
وعن فكرة إعادة إحياء كلمات أغاني أم كلثوم على موسيقى المهرجانات للارتقاء بالذوق الفني، يوضح أن مزج القديم بالجديد من الممكن أن يرتقي بالذوق الفني للجمهور، ولكن شريطة أن يتوقف ذلك على الطريقة التي ستنفذ بها التجربة، بينما ترى الدكتورة سماح أن هذه التجربة تقابل بنقد أكبر من الناتج الإيجابي الذي تهدف إليه، لأن طبيعة موسيقى المهرجانات لا ترقى لمستوى كلمات الزمن الجميل، مؤكدة أنها إذا حدثت فستعد جريمة في حق أغاني أم كلثوم.
.. والمراهقون يتحدثون
أما جنى شريف، ذات الـ13 عامًا فقالت عن سبب حبها للمهرجانات: "تعطيني طاقة فرح ونشاط رغم تحفظي على بعض كلماتها التي أخجل منها أحيانًا، ولكن أغاني أم كلثوم طويلة ومملة"، بينما يقول زياد هاني، صاحب الـ16 عام، والذي يعشق هذا اللون من الغناء، إن المهرجانات تحاكي الواقع الشعبي وعلاقات الصداقة والحب بأسلوب ولغة قريبة من الشارع المصري، مضيفًا أن ألفاظها ليست غريبة لأنه هو وأصدقائه يتحدثون بها يوميًا، وأسرته لا تعارض استماعه لهذه الأغاني.
في حين يرى حسين مصطفى، ذو الـ17 عامًا، أن أغاني المهرجانات ليس بها كلمات ولا ألحان جيدة ولذلك فهو لا يفضلها على عكس أصدقائه، مضيفًا: "أحب اغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ووردة، وأستمع إليهم بشكل مستمر وأحفظ اغانيهم"، بينما تقول ماجدة محمد، الطالبة بالمرحلة الثانوية، إنها لا تحب أغاني المهرجانات نظرًا للكلمات البذيئة التي تحتويها، وكذلك لا تحب أغاني أم كلثوم لأنها لا تفهم معظم كلماتها.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك