المراهقون يفضلون "الكريب والسندويتشات".. والطهاة يؤكدون جودة المنتجات.. والأمهات ينقسمن حول الموضوع.. والخبراء يقدمون الأسباب
شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في الإقبال على أكل الشارع والوجبات السريعة كحل موفر للوقت والجهد، خاصة بين الشباب والمراهقين ممن هم أقل من العشرين عامًا، فهي ظاهرة تأثرت بالكثير من العوامل؛ نفسيّا واجتماعيًا، لذلك تواصلنا مع خبراء علم النفس والاجتماع للوقوف على أهم أسباب الظاهرة، بالإضافة إلى تواصلنا مع الأمهات والأبناء لمعرفة آرائهم وموقفهم، وكذلك أيضّا مع الطهاة وأصحاب المطاعم لمعرفة أهم الوجبات التي يقدمونها والتي يقبل عليها المراهقون والشباب.
يقول عبد الرحمن مسعد، ١٣ عامًا، إنه يحب تناول أكل الشارع بأصنافه المختلفة كالكريب والحواوشي والسندوتشات السوري والكشري والبيتزا، لكن مع ذلك يحب أكل والدته أيضًا، فإقباله على الوجبات السريعة لا يعني نفوره من أكل المنزل وإنما حبه لمذاقها المختلف.
ويحكي محمد كامل، ١٤ عامًا، أنه لم يكن في البداية يفضل أكل الشارع، وكان دائمًا ما يتجنب تناولها، إلا أنه عند تجربته إياها أحبها وأصبح يقبل عليها وخصوصًا الحواوشي وسندوتشات الكبدة والسجق، فأصبح يعتمد عليها أكثر من طعام والدته.
في حين يقول محمود الفقي ١٨ عامًا، إنه لا يقبل إطلاقًا على أكل الشارع، لأنه يرى أن هذه الأصناف من الطعام جودتها ليست مضمونة صحيًا، نظرًا لأنها تطهى بشكل سريع وجبة تلو الأخرى مما لا يترك مجالًا للوقت لتنظيف الأدوات والأواني، كما أن معظمها يعتمد على اللحوم المجمدة المستوردة، والتي لا نتأكد من مصدر الكثير منها.
ويعبر ياسر زكي، ١٦ عامًا، عن إسرافه الشديد في تناول الوجبات السريعة وبالأخص طواجن المكرونة والكشري والكريب والبيتزا، فقد تكيف مع هذه الأطعمة وأحب مذاقها منذ صغره، وعلى الرغم من محاولته الحد منها لكنه لم ينجح في ذلك.
يقول الشيف رضا، صاحب مطعم روستيكا بالمنصورة، إن مطعمه يقدم العديد من أصناف الطعام كالبيتزا والفطائر والكريبات والسندوتشات ووجبات الـ"سي فوود"، موضحًا أنه دائما ما يحرص على نظافة المكان وأدوات الطعام، مضيفًا أن المطعم تقبل عليه الفئات العمرية المختلفة، إلا أن الأغلبية تتمثل في الشباب والمراهقين ممن هم تحت الـ٢٠ عامًا، وأكثر الوجبات التي تحبها هذه الفئة الكريب والبيتزا وسندوتشات الكفتة والكبدة.
فيما يحكي عم سمير، صاحب عربية الحواوشي وسندوتشات الكبدة والسجق في "بين السرايات"، أنه يتواجد أمام المدينة الجامعية منذ ما يقرب من ١٥ عامًا، كما أن عمله لا يعتمد على طلاب الجامعة فقط، وإنما يأتي إليه الكثير من سكان المنطقة منهم طلبة بالمرحلة الإعدادية والثانوية، خصيصًا لتناول حواوشي عم سمير.
ويقول الشيف أحمد ماهر، بمطعم نشنتاشي بالتجمع، إن المطعم متخصص في الوجبات التركية، كما يوجد اللحوم والفراخ والكباب المطهي وكذلك سندوتشات الشاورما، كما أن أهم ما يميز المطعم عن غيره هو الشوي على الحطب وليس الغاز، مضيفًا أن أكثر الوجبات التي يطلبها المراهقون هي السندوتشات السوري والتشيكن ناجتس.
ويوضح الشيف محمد سامح، بمطعم طأطا بالشرقية، أن المطعم يقدم الوجبات السريعة والأكل الشعبي كالفول والفلافل والبطاطس، ويعتمد على أشهر المنتجات عالية الجودة في تحضير الوجبات، ولذلك يحظى بشهرة كبيرة في الشرقية، ويأتي إليه الزبائن بمختلف المراحل العمرية من المراهقين والشباب، ومن هم في منتصف العمر، وكذلك الكبار.
تقول مها البنهاوي، المدرسة بالمرحلة الابتدائية، إن معظم أبنائها يتناولون طعامهم خارج المنزل نظرًا لأنها تكون منشغلة معظم الوقت في عملها بالمدرسة والدروس، فليس هناك مجالًا لإعداد الطعام إلا في أيام قليلة يسمح فيها الوقت بالطبخ، إضافة إلى أن أبناءها نتيجة لارتباطهم بالكثير من الدروس ووجودهم فترات أطول خارج المنزل جعلهم يتناولون أكل الشارع، إلا أنها تحرص يوميًا على تجميع الأسرة مساءً لتناول العشاء معًا.
فيما تروي السيدة وفاء الجندي، أنها كثيرًا ما تضطر إلى التخلي عن أصناف الطعام المعتادة في المنزل، وتقوم بإحضار الوجبات السريعة التي يتم تناولها في المطاعم، كالكريب والشاورما والسندوتشات السوري وغيرها من الأصناف، حتى لا يضطر أبناؤها إلى أكل تلك الأصناف خارج المنزل غير مضمونة الجودة والنظافة.
وتقول إحسان الخميسي إنها دائمًا ما تعود أبناءها على تناول طعامها المنزلي الصحي على عكس الوجبات السريعة الخارجية المليئة بالزيوت والدهون المهدرجة، والتي تسبب كثرة تناولها العديد من الأمراض على المدى البعيد، كما أنها دائمًا ما تحرص على إحضار السندويتشات لأبنائها في المراحل الدراسية المختلفة؛ حتى لا تترك لهم الفرصة لتناول هذه الأطعمة الضارة للجسم.
وتقول انتصار العجمي إن أبناءها ينقسمون بين من يحب أكل المنزل، ومن يحب تناول الوجبات السريعة بالخارج، مفسرةً أن هذا الانقسام حدث نتيجة أنها دائمًا ما كانت تشتري لهم الوجبات السريعة كالكريب والسندوتشات السوري والبيتزا وهم خارج المنزل، لكن بعضهم فضل أكل المنزل على هذه الوجبات، فيما أحبها البعض الآخر حتى وصلوا إلى حد الإفراط.
"كلوا برا بس من غير إفراط".. وهكذا عبرت الحاجة أسماء صالح عن موقفها من تناول أبنائها لأكل الشارع، فهي لا تمانع من تناول أبنائها الوجبات السريعة خارج المنزل، ولكن بشرط التوازن بين هذه الوجبات وأكل المنزل، فترى أن الإفراط في تناولها قد يصيب الابن أو الشخص بالسمنة المفرطة بالإضافة إلى أنها ليست لها فائدة صحية للجسم بل قد تسبب له أمراضًا هو في غنى عنها.
![]() |
الوجبات السريعة (أكل الشارع) |
تقول وفاء المستكاوي، الخبير النفسي ومدير الإدارة العامة للدفاع الاجتماعي بوزارة التضامن سابقًا، إن إقبال الكثير من المراهقين على أكل الشارع والمطاعم يرجع إلى أسباب نفسية أهمها الحاجة إلى إثبات الذات؛ إذ يرغب المراهق في تدعيم قدرته على الاختيار، إضافة إلى تدعيم قدرته على الشراء ودفع الثمن من ماله الخاص، مضيفاً أن إقبالهم على أكل الشارع هو محاولة منهم للتمرد على أشياء كثيرة في البيت، فهم يرفضون اتخاذ معظم قراراتهم بواسطة قوة جبرية، وإنما يريدون اتخاذ الكثير منها بمحض إرادتهم حتى يشعروا بذاتهم.
وتضيف الخبيرة النفسية أن الحاجة إلى التغيير عامل مهم في ذلك، حيث يحتاج المراهق في كثير من الأوقات إلى تناول طعام مختلف عن طعام المنزل، فيذهب إلى المطاعم ليجرب أصنافًا أخرى من الأكلات قد تكون مغايرة تمامًا لأكل المنزل، ويستخدمها أصحابها لجذب هذه الفئة العمرية، مشيرة إلى أن الإقبال على أكل الشارع يكثر في مراحل ما قبل الجامعة، ولكن بدخولهم المرحلة الجامعية يصبحون أكثر نضجًا، فتعتمد الأكثرية منهم على أكل المنزل موجهين أموالهم إلى أشياء أخرى أهم كالكتب الدراسية وغيرها.
![]() |
وفاء المستكاوي |
وترى الدكتورة سهير لطفي، أستاذ علم الاجتماع ورئيس المركز القومي للبحوث سابقًا، أن إقبال المراهقين على أكل الشارع يستند إلى سبب رئيسي وهو كثرة وجودهم خارج المنزل في أوقات كثيرة من اليوم، نتيجة لارتباطهم بالدراسة والدروس الخصوصية، وذلك يجعلهم غير قادرين على تحمل الجوع، فيضطرون إلى تناول ما أمامهم من أطعمة خارجية، مضيفًة أن الأسرة أصبحت تستسهل تناول أبنائها خارج المنزل توفيرًا لمشقة الطبخ والوقت الذي يستغرقه، خاصة في حالة عمل الأم وانشغالها معظم الوقت.
![]() |
سهير لطفي |
وتفسر أستاذ الاجتماع هذه الظاهرة أيضّا بحاجة الكثير من المراهقين إلى الخروج مع الأصدقاء للترفيه على أنفسهم نتيجة انعزال أفراد الأسرة عن بعضهم بوجود "السوشال ميديا"، فتجد كل فرد يأخذ جانبًا مع هاتفه المحمول منخرطًا في عالمه الافتراضي الخاص، إلا أنه في بعض الأحيان يشعر الأبناء بالملل ويضطرون إلى الخروج مع الأصدقاء، ومن ثم تناول أكل الشارع والمشروبات، مما يعد سمة أساسية من سمات الترفيه في الوقت الحالي.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك